فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: حذرون في الحال، وحاذرون في المآل.
وقال الفراء: الحاذر: الخائف ما يرى، والحذر: المخلوق حذرًا.
وقال أبو عبيدة: رجل حذر وحذر وحاذر بمعنى واحد.
وذهب سيبويه إلى أن حذرًا يكون للمبالغة، وأنه يعمل كما يعمل حاذر، فينصب المفعول به، وأنشد:
حذر أمورًا لا تضير وآمن ** ما ليس منجيه من الأقدار

وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو.
وعن الفراء أيضًا، والكسائي: رجل حذر، إذا كان الحذر في خلقته، فهو متيقظ منتبه.
وقرأ سميط بن عجلان، وابن أبي عمار، وابن السميفع: حاذرون، بالدال المهملة من قولهم: عين حدرة، أي عظيمة، والحادر: المتورم.
قال ابن عطية: فالمعنى ممتلئون غيظًا وأنفة.
قال ابن خالويه: الحادر: السمين القوي الشديد، يقال غلام حدر بدر.
وقال صاحب اللوامح: حدر الرجل: قوي بأسه، يقال: منه رجل حدر بدر، إذا كان شديد البأس في الحرب، ويقال: رجل حدر، بضم الدال للمبالغة، مثل يقظ.
وقال الشاعر:
أحب الصبي السوء من أجل أمّة ** وأبغضه من بغضها وهو حادر

أي سمين قوي.
وقيل: مدجّجون في السلام.
{فأخرجناهم}: الضمير عائد على القبط.
{من جنات وعيون}: بحافتي النيل من أسوان إلى رشيد، قاله ابن عمر وغيره، والجمهور: على أنها عيون الماء.
قال ابن جبير: المراد عيون الذهب.
{وكنوز}: هي الأموال التي خربوها.
قال مجاهد: سماها كنوزًا لأنه لم ينفق في طاعة الله قط.
وقال الضحاك: الكنوز: الأنهار.
قال صاحب التحبير: وهذا فيه نظر، لأن العيون تشملهما.
وقيل: هي كنوز المقطم ومطالبه.
قال ابن عطية: هي باقية إلى اليوم. انتهى.
وأهل مصر في زماننا في غاية الطلب لهذه الكنوز التي زعموا أنها مدفونة في المقطم، فينفقون على حفر هذه المواضع في المقطم الأموال الجزيلة، ويبلغون في العمق إلى أقصى غاية، ولا يظهر لهم إلا التراب أو حجر الكذان الذي المقطم مخلوق منه، وأي مغربي يرد عليهم سألوه عن علم المطالب.
فكثير منهم يضع في ذلك أوراقًا ليأكلوا أموال المصريين بالباطل، ولا يزال الرجل منهم يذهب ماله في ذلك حتى يفتقر، وهو لا يزداد إلا طلبًا لذلك حتى يموت.
وقد أقمت بين ظهرانيهم إلى حين كتابة هذه الأسطر، نحوًا من خمسة وأربعين عامًا، فلم أعلم أن أحدًا منهم حصل على شيء غير الفقر؛ وكذلك رأيهم في تغوير الماء.
يزعمون أن ثم آبارًا، وأنه يكتب أسماء في شقفة، فتلقى في البئر، فيغور الماء وينزل إلى باب في البئر، يدخل منه إلى قاعة مملوءة ذهبًا وفضة وجوهرًا وياقوتًا.
فهم دائمًا يسألون من يرد من المغاربة عمن يحفظ تلك الأسماء التي تكتب في الشقفة، فيأخذ شياطين المغاربة منهم مالًا جزيلًا، ويستأكلونهم، ولا يحصلون على شيء غير ذهاب أموالهم، ولهم أشياء من نحو هذه الخرافات، يركنون إليها ويقولون بها، وإنما أطلت في هذا على سبيل التحذير لمن يعقل.
وقوله تعالى: {ومقام كريم}.
قال ابن لهيعة: هو الفيوم.
قال ابن عباس، ومجاهد، والضحاك: هو المنابر للخطباء.
وقيل: الأسرة في الكلل.
وقيل: مجالس الأمراء والأشراف والحكام.
وقال النقاش: المساكن الحسان.
وقيل: مرابط الخيل، حكاه الماوردي.
وقرأ قتادة، والأعرج: ومقام، بضم الميم من أقام كذلك.
قال الزمخشري: يحتمل ثلاثة أوجه: النصب على أخرجناهم مثل ذلك الإخراج الذي وصفناه، والجر على أنه وصف لمقام، أي ومقام كريم مثل ذلك المقام الذي كان لهم، والرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف، أي الأمر كذلك. انتهى.
فالوجه الأول لا يسوغ، لأنه يئول إلى تشبيه الشيء بنفسه، وكذلك الوجه الثاني، لأن المقام الذي كان لهم هو المقام الكريم، ولا يشبه الشيء بنفسه.
والظاهر أن قوله: {وأورثناها بني إسرائيل}، أنهم ملكوا ديار مصر بعد غرق فرعون وقومه، لأنه اعتقب قوله: {وأورثناها}: قوله: {وأخرجناهم}، وقاله الحسن؛ قال: كما عبروا النهر، رجعوا وورثوا ديارهم وأموالهم.
وقيل: ذهبوا إلى الشام وملكوا مصر زمن سليمان.
وقرأ الجمهور: {فاتبعوهم}: أي فلحقوهم.
وقرأ الحسن، والذماري: فاتبعوهم، بوصل الألف وشد التاء.
{مشرقين}: داخلين في وقت الشروق، من شرقت الشمس شروقًا، إذا طلعت، كأصبح: دخل في وقت الصباح، وأمسى: دخل في وقت المساء.
وقال أبو عبيدة: فاتبعوهم نحو الشرق، كأنجد: إذا قصد نحو نجد.
والظاهر أن مشرقين حال من الفاعل.
وقيل: مشرقين: أي في ضياء، وكان فرعون وقومه في ضباب وظلمة، تحيروا فيها حتى جاوز بنو إسرائيل البحر، فعلى هذا يكون مشرقين حالًا من المفعول. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَأَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى}.
وذلك بعد بضعِ سنينَ أقامَ بين أظهُرِهم يدعُوهم إلى الحقِّ ويُظهر لهم الآياتِ فلم يزيدُوا إلاَّ عُتُوًَّا وعنادًا حسبما فُصِّل في سورة الاعراف بقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين} الآيات. وقرىء: بكسر النون ووصل الألف من سرى، وقرىء: أنْ سِرْ من السير. {إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} تعليلٌ للأمرِ بالإسراءِ أي يتبعكُم فرعونُ وجنودُه مصبحينَ فأسرِ بمَن معك حتَّى لا يُدركوكم قبل الوصولِ إلى البحرِ فيدخلُوا مداخلَكم فأُطبقَه عليهم فأُغرقَهم.
{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ} حين أُخبر بمسيرهم {فِى المدائن حاشرين} جامعينَ للعساكرِ ليتبعُوهم.
{إِنَّ هَؤُلاء} يريدُ بني إسرائيلَ {لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ} استقلَّهم وهم ستمائة ألفٍ وسبعونَ ألفًا بالنسبةِ إلى جُنوده إذْ رُوي أنَّه أرسل في أثرِهم ألفَ ألفَ وخمسمائةِ مَلكٍ مُسوَّرٍ مع كل مَلِكٍ ألفٌ وخرجَ فرعونُ في جمعٍ عظيم وكانت مقدِّمتُه سبعَمائة ألفِ رجلٍ على حصان وعلى رأسِه بيضةٌ وعن ابن عبَّاسٍ رصى الله تعالى عنهما خرجَ فرعونُ في ألفِ ألفِ حصانٍ سوى الإناثِ.
{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} أي فاعلون ما يغيظُنا.
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون} يريدُ أنَّهم لقلَّتهم لا يُبالى بهم ولا يتوقَّع غلبتَهم وعلوَّهم ولكنَّهم يفعلون أفعالًا تغيظُنا وتضيق صدورَنا ونحن قومٌ من عادتنا التَّيقُّظُ والحذرُ واستعمالُ الحزمِ في الأمورِ فإذا خرجَ علينا سارعنا إلى إطفاءِ ثائرةِ فسادِه، وهذه معاذيرُ اعتذر بها إلى أهلِ المدائن لئلاَّ يُظنُّ به ما يكسر من قهرهِ وسلطانه. وقرئ حَذِرون فالأوَّلُ دالٌّ على التَّجدُّدِ والثَّاني على الثَّباتِ وقيل: الحاذرُ المؤدِّي في السِّلاحِ. وقرئ حادِرون بالدَّالِ المُهملة أي أقوياءُ وأشدَّاءُ وقيل: مدجَّجون في السِّلاحِ قد أكسبَهم ذلك حدارةً في أجسامِهم.
{فأخرجناهم} بأن خلقنا فيهم داعيةَ الخروجِ بهذا السَّببِ فحملتهم عليهم {مّن جنات وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ} كانت لهم جملة ذلك.
{كذلك} إمَّا مصدرٌ تشبيهيٌّ لأخرجنا أي مثلَ ذلك الإخراجِ العجيبِ أخرجناهُم أو صفة لمقام كريم أي من مقامٍ كريمٍ كائنٍ كذلك أو خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ أي الأمرُ كذلك {وأورثناها بَنِى إسراءيل} أي ملَّكناها إيَّاهم على طريقةِ تمليكِ مالِ المورَّثِ للوارثِ كأنَّهم ملكُوها من حينِ خروجِ أربابِها منها قبل أنْ يقبضُوها ويتسلَّموها {فَأَتْبَعُوهُم} أي فلحقُوهم، وقرئ فاتَّبعوهم {مُشْرِقِينَ} داخلينَ في وقتِ شُروق الشَّمسِ أي طُلوعِها. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَوْحَيْنَا إلى موسى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِى}.
وذلك بعد سنين أقام بين ظهرانيهم يدعوهم إلى الحق ويظهر لهم الآيات فلم يزيدوا إلا عتوًا وعنادًا حسبما فصل في سورة الأعراف بقوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا ءالَ فِرْعَوْنَ بالسنين} [الأعراف: 130] الآيات.
وقرىء {أَنْ أَسْرِ} بكسر النون ووصل الألف من سرى.
وقرأ اليماني {إن} أمرًا من سار يسير {بِعِبَادِى إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ} تعليل للأمر بالإسراء أي يتبعكم فرعون وجنوده مصبحين فأسر ليلًا بمن معك حتى لا يدركوكم قبل الوصول إلى البحر بل يكونون على أثركم حين تلجون البحر فيدخلون مداخلكم فأطبقه عليهم فأغرقهم.
{فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ} الفاء فصيحة أي فأسري بهم وأخبر فرعون بذلك فأرسل {فِى المدائن} أي مدائن مصر {حاشرين} جامعين للعساكر ليتبعوهم.
{إِنَّ هَؤُلاء} يريد بني إسرائيل والكلام على إدارة القول، والظاهر أنه حال أي قائلًا إن هؤلاء {لَشِرْذِمَةٌ} أي طائفة من الناس، وقيل: هي السفلة منهم، وقيل: بقية كل شيء خسيس، ومنه ثوب شرذام وشرذامة أي خلق مقطع، قال الراجز:
جاء الشتاء وقميصي أخلاق ** شراذم يضحك منه التواق

وقرىء {لَشِرْذِمَةٌ} بإضافة شر مقابل خير إلى ذمة، قال أبو حاتم: وهي قراءة من لا يئخذ منه ولم يروها أحد عن رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: {قَلِيلُونَ} صفة شرذمة، وكان الظاهر قليلة إلا أنه جمع باعتبار أن الشرذمة مشتملة على اسباط كل سبط منهم قليل، وقد بالغ اللعين في قلتهم حيث ذكرهم أولًا باسم دال على القلة وهو شرذمة ثم وصفهم بالقلة ثم جمع القليل للإشارة إلى قلة كل حزب منهم وأتى بجمع السلامة وقد ذكر أنه دال على القلة، واستقلهم بالنسبة إلى جنوده.
فقد أخرج ابن أبي حاتم عن السدي أن موسى عليه السلام خرج في ستمائة ألف وعشرين ألفًا لا يعد فيهم ابن عشرين لصغره ولا ابن ستين لكبره وتبعهم فرعون على مقدمته هامان في ألف ألف وسبعمائة ألف حصان، وقيل: أرسل فرعون في أثرهم ألف ألف وخمسمائة ألف ملك مسور مع كل ملك ألف وخرج هو في جمع عظيم وكانت مقدمته سبعمائة ألف رجل كل رجل على حصان وعلى رأسه بيضة، وهم كانوا على ما روى عن ابن عباس ستمائة ألف وسبعين ألفًا، وأنا أقول: إنهم كانوا أقل من عساكر فرعون ولا أجزم بعدد في كلا الجمعين، والاخبار في ذلك لا تكاد تصح وفيها مبالغات خارجة عن العادة.
والمشهور عند اليهود أن بني إسرائيل كانوا حين خرجوا من مصر ستمائة ألف رجل خلا الأطفال وهو صريح ما في التوراة التي بأيديهم.
وجوز أن يراد بالقلة الذلة لا قلة العدد بل هي مستفادة من شرذمة يعني أنهم لقلتهم أذلاء لا يبالي بهم ولا يتوقع غلبتهم، وقيل: الذلة مفهومة من شرذمة بناء على أن المراد منها بقية كل شيء خسيس أو السفلة من الناس، و{قَلِيلُونَ} إما صفة لها أو خبر بعد خبر لأن، والظاهر ما تقدم.
{وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ} لفاعلون ما يغيظنا من مخالفة أمرنا والخروج بغير إذننا مع ما عندهم من أموالنا المستعارة، فقد روى أن الله تعالى أمرهم أن يستعيروا الحلي من القبط فاستعاروه وخرجوا به، وتقديم {لَنَا} للحصر والفاصلة واللام للتقوية أو تنوزيل المتعدي منزلة اللازم.
{وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حاذرون} أي إنا لجمع من عاداتنا الحذر والاحتراز واستعمال الحزم في الأمور، أشار أولًا إلى عدم ما يمنع اتباعهم من شوكتهم ثم إلى تحقق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم ووجوب التيقظ في شأنهم حثًا عليه أو اعتذارًا بذلك إلى أهل المدائن كيلا يظن به عليه العلنة ما يكسر سلطانه.
وقرأ جمع من السبعة وغيرهم {حاذرون} بغير ألف، وفرق بين حاذر بالألف وحذر بدونها بأن الأول اسم فاعل يفيد التجد والحدوث والثاني صفة مشبهة تفيد الثبات، وقريب منه ما روى عن الفراء والكسائي أن الحذر من كان الحذر في خلقته فهو متيقظ منتبه، وقال أبو عبيدة: هما بمعنى واحد، وذهب سيبويه إلى أن حذرا يكون للمبالغة وأنه يعمل كما يعمل حاذر فينصب المفعول به، وأنشد:
حذر أمورًا لا تضير وآمن ** ما ليس منجيه من الأقدار

وقد نوزع في ذلك بما هو مذكور في كتب النحو.